المقدمة
ان الرجل الحق هو الذي ينشا لغاية ويعمل لهدف منشود ويسعى لعمل تستفيد منه الجماعة ولا يستفيد هو من الجماعة يتخذ من قواه سلما تتدرج عليه الامة بحق المعالم والكمال. ان الرجل الحق هو صاحب المبدا الذي لا يتزعزع و العقيدة التي لا تتاكل اطرافها والسعي المتواصل الذي لا يصحبه كلل ولا ملل والايمان الراسخ الذي تذوب له الجبال .ان الرجل الحق هو الذي يقول كلمة الحق في وجه الضالمين ولا يخاف عواقبها. ان هذا الرجل بهذه الصفات التي تكررت هو "الشيخ العلامة الامام عبد الحميد بن باديس"
حياته
ابن باديس بن محمد مصطفى مصلح اجتماعي عظيم رائد النهضة الادبية الحديثة في الجزائر وهو موقظ همم الشعب ولد بعاصمة الشرق الجزائري-قسنطينة- عام 1889م نشا في اسرة عريقة معروفة بالعلم والجاه والثراء كان والده ذا مكانة مرموقة في قسنطينة.
تعليمه وثقافته
ان عبقرية عبد الحميد ونبوغه كانا ملازمين له منذ الصغر وفي كل اطوار حياته فمنذ ان كان صبيا حفظ القران ففي عام 1903م بدا مرحلة جديدة من التعليم على يد شيخه (لونيسي) الذي اخذ منه مبادئ العلوم العربية و الدينية . في عام 1908 م سافر الى تونس وبالضبط الى جامع الزيتونة الرفيع العماد حيث تعلم على يد كل من (الشيخ الطاهر بن عاشور) و (الشيخ الاخضر بن الحسين الجزائري) و(الشيخ محمد النخيلي) وكان عبد الحميد بن باديس يناقش ويجادل ولا يترك صغيرة ولا كبيرة الا ناقشها وبحثها بحثا عميقا وكان جميع اساتذته وكبار الطلبة معجبين بتلك المنافقشات الباهرة والمجادلات العميقة التي تفتح امامهم افاقا فسيحة من الفهم والادراك والغوص العميق في معاني القران الكريم حتى نال شهادة الجامعة عام 1911 وبقي في تونس عاما بعد تخرجه يشتغل بالتدريس
التعليم
بعد رجوعه الى ارض الوطن عام 1913م بدا عمله كمدرس حر ومتطوع في سبيل نشر العلم والدين في جامع الاخضر الكبير بقسنطينة حيث كان يقضي اوقاته في غرفته البسيطة يدرس ويخطط للمستقبل ولا يجادل الا في العلم ولا يتحدث الا عن المستقبل الجزائري الذي كان يريد بناءه من جديد على اسس من الدين والعلم والهدى بعد ان عشعش فيه الجهل و الخرافة والفقر .
الصحافة
اقتحم عبد الحميد بن باديس الى جانب نشر العلوم وبث الدعوة الاصلاحية ميدانا جديدا الا وهو الصحافة التي كانت لها اثرا كبيرا وفعالا في حياة الامة معا فقد اسس "مجلة المنقذ" التي لم تعش الا قليلا فقد فوجئت الحكومة الاستعمارية الفرنسية بهذه المجلة فصادرتها ومنعت نشرها لكن الامام تصدى لهم ببراعة وسلط اضواءه عليهم وواجههم واصحابه في عدة صحف منها "الشريعة" و"السنة" فلقيت المصير نفسه فاصدر "مجلة البصائر" مع الشيخ محمد البشير الابراهيمي كما اصدر مجلة "الشهاب"
تاسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
جاءت ساعة ظهور الحق والحياة الحرة الكريمة الواعية الهادفة جاءت ساعة تاسيس جمعبية العلماء المسلمين الجزائريين عام 1931 م فلقد دعا الى تاسيسها عدد من علماء القطر الجزائري ولبوا النداء وعملوا على انشائها وباتت تحمل مشعل العلم والاصلاح بل وبوادر الثورة وانتخب الشيخ العلامة الامام "عبد الحميد بن باديس"رئيسا لها وضع مجلسها الاداري مجموعة من العلماء والادباء من بينهم "محمد الامين العمودي"و"مبارك الميلي" و "العربي التبسي"و"محمد البشير الابراهيمي"الذي كان نائبا للشيخ ابن باديس.
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كان لها الفضل في نشر الروح الاسلامية وبعث معتقداتها الحقة الصحيحة ونشر الثقافة العربية في قلب كل جزائري وجزائرية وتوعية الشعوب وجعلهم يؤمنون بوطنهم وامتهم الاسلامية العربية متبعا شعاره المعروف والمشهور : الاسلام ديننا والعربية لغتناو الجزائر وطننا . ذلك الشعار الذي ترك صدى عميقا في نفوسنا واصبحت تعاليمه ومبادئه وقودا للثورة المسلحة المباركة ضد الاستعمار الغاشم
وفاة الامام العظيم
جاءت الحرب العالمية الثانية وجثم المرض على صدر رجلنا العظيم والزمه الفراش وما لبث الصوت الرهيب ان انتزع من ذلك الجسد الفاني النحيف تلك الروح النورانية الطاهرة فرجعت الى ربها راضية مرضية ففي مساء الثلثاء 08ربيع الاول 1350ه الموافق ل16 افريل 1940م انتقلت روحه الى ربه الاعلى وخرج اهل قسنطينة وما جاورها تودعه الوداع الاخير ودفن في المقبرة التي ضمته واسرته
الخاتمة
ان الجزائريين اليوم وبعد وفاة رائد النهضة الجزائرية الشيخ العلامة الامام عبد الحميد بن باديس عندما يتذكرون اعماله في التربية والتعليم والاصلاح انما يتذكرون العالم السياسي والمجاهد في سبيل الله والرجل الذي لايخش في الله لومة لائم فما احوجنا اليوم الى مثل هذا المجاهد وشاعرنا المرحوم محمد العيد ال خليفة حين وصف الامام قائلا
بمثلك تعتز البلاد وتفتخر وتزهو بالعلم المنير وتزجر